Résumé
لا تكف الفلسفة الهيغلية عن الحضور في حياتنا الراهنة، رغم مرور ما يزيد على قرن ونصف القرن على وفاة صاحبها. ذلك أنها "منبع كل عظيم" في الفكر الغربي المعاصر كما كتب ميرلوبونتي منذ أربعينيات القرن الماضي. فنحن نجدها بالفعل في أساس وجوهر التيارات الكبرى في الفكر والفن والأدب التي سادت القرن العشرين، كالماركسية والوجودية والهايدغرية والبنيوية والتفكيكية، كما تنتمي لها صراحة الأيديولوجيات كافة التي رسمت مصير القرن الماضي.
فهذه التيارات والأيديولوجيات، على رغم ظاهر الصراع الطاحن في ما بينها، تحرص جميعاً على الاستعانة بالفلسفة الهيغلية لإثبات عقلانيتها وشرعيتها التاريخية، كل منها ضد الأخرى.
الى ذلك، لا تزال التصورات والاحكام الهيغلية بشأن الأمم الشرقية، ولا سيما العربية والاسلامية، تطبع، بحدود كبيرة، مجمل المنظورات الغربية حولها. والحال أن كثيراً من الافكار والاحلام تلك يجد أصوله في "مقدمة" ابن خلدون، بل إن التناظر بين هيغل وابن خلدون يصبح مدهشاً كلما توغلنا أكثر في معرفة حيثياته.
في هذه الدراسة، الأولى في هذا الموضوع، محاولة للكشف عن أبعاد وسبل هذا التناظر، فضلاً عن إثبات ما هو حي من أفكار خلدونية حول فلسفتي التاريخ والدولة في الفكر الغربي.